Labels

’’إن الأقوام الذين يخافون على إيمانهم من الكلام هم أقوام لا يثقون بإيمانهم’’


السبت، 7 أكتوبر 2017

عندما اجتمعت لصوص البيوت علينا



هل سألت نفسك يوماً لماذا نخشى الليل؟ هل شاهدت فلماً مرعباً وعندما ذهبت للنوم إمتلأت مثانتك فلم تجرؤ على الذهاب للحمام بسبب الظلام؟ ألا تتمنى حينها لو كنت نائماً مع شخص آخر؟ مع أمك أو أبيك أو حتى طفل صغير لا حول ولا قوة له ليحميك؟

حاسة البصر لدى الإنسان هي من أكثر الحواس التي يعتمد عليها في حياته، يشاركها فيها بقية القردة العليا great apes كالشمبانزي والغوريلا، لذلك نحن نرى بالألوان الكاملة، نرى الأحمر والأخضر والأصفر..الخ. بقية الكائنات الحية لم تتطور لديهم هذه الحاسة كما تطورت لدينا نحن القردة العليا فمعظمها ترى الأبيض والأسود وتدرجاتهما فقط، البعض يرى جزءاً من الألوان التي نراها، ولكن أغلبية الكائنات الأخرى لديها حواس أخرى أقوى منا فمثلاً الذئاب تعتمد على حاسة الشمّ أكثر من حاسة البصر.

الليل بالنسبة لنا كبشر يحرمنا من أقوى حواسنا التي نعتمد عليها، ولكن الأمر لا ينطبق على الكثير من الحيوانات المفترسة حيث أن حاسة الشمّ لديها تبقى تعمل بنفس الكفاءة سواء في الليل أو النهار، لذلك تجد الكثير منها تنشط في الصيد خلال الليل ناهيك عن قدرتها على الرؤية في الليل أفضل منا.

نحن كبشر لم نعتلي قمة سلسلة الغذاء كمفترسين إلا في زمن قريب جداً نسبياً، كان  أسلافنا هم الضحايا في سهول السافانا والغابات قبل أن نخترع السلاح، كانوا يطاردون الغزلان ولكنهم في نفس الوقت مُطاردون من قبل النمور والأسود، لا بل ولا زلنا كذلك في الكثير من الأماكن المنعزلة الفقيرة في الهند وتنزانيا..الخ

ومن هنا، فرضت الطبيعة علينا السكون في الليل، السكون فوق شجرة أو في كهف نُتربس بابه بالحجارة وقطع الأشجار لحماية أنفسنا، وإن إضطررنا للخروج في الليل فإنه من الأسلم أن نخرج كفريق (لذلك ينادي الطفل أمه لمرافقته للحمام في الليل، وربما يفسر لماذا يعشق الأطفال الدببة الصغيرة على أسرّتهم)، فعُصبة من خمسة أشخاص مسلحين بالرماح قادرة على حماية نفسها من نمر مفترس متجول جائع. أما في النهار، ولكوننا نمشى على قدمين فإن حاسة البصر لدينا هي أوسع مجالاً من المفترسات ناهيك على حدتها، نستطيع حينها أن نتسلق شجرة بسرعة إن لمحنا الخطر في الأفق. ومن لم تهبه الطبيعة ذلك الحرص (على السكون في الليل والإختباء وإلتزام الجماعة) أكله سبعٌ من السباع ولم يورّث جيناته لنا.

لماذا لم يندثر فينا الخوف من الليل؟ لا أعلم، ولكن أظنّ بأن السبب هو أن تطورنا التكنولوجيا أسرع من تطورنا الجيني، السرعة الرهيبة التي تطورت فيها أدواتنا لمواجهة الليل (كالبيوت المحكمة بعد أن إستقرينا وتركنا الترحال طلباً للكلأ والماء) وتطور أدوات الصيد لدينا لم يجاريه التطور الجيني البطيء داخلنا. وأعتقد إعتقاداً جازماً بأن اللصوص قد ساهموا في ذلك الإبطاء أو إيقافه، واللصوص في هذا المجال هم صنفان:

لصوص البيوت: صنف ينشط في الليل ولذلك نحرصُ على إغلاق الباب وإحكامها بعد الغروب أكثر من حرصنا على ذلك في النهار.
لصوص العقول: من أنبياء وكهنة وهؤلاء نُكبت البشرية بهم قبل فهمنا لنظرية التطور وقبل التفجر المعرفي الذي جعلنا نفهم بأن الأمراض هي جراثيم وليست جنّ تُطرد بالرقية الشرعية، لذلك نجد حديثاً نبوياً على شاكلة (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ)، محمد لم يدرس الجينات ولم يدرس التاريخ البشري لذلك لم يشأ أن يظهر بمظهر غير العارف، فهو مثله مثل الحويني والعريفي، يفهم كل شيء ويفسره حسب ثقافته المحلية التي لم تسعفه إلابالقول أن الشياطين تنشط في الليل أيضاً كالسباع كتفسير وحيد لخوف الإنسان الأزلي من الظلام.
جميع الحقوق محفوظة © النهضة الفكرية
  • تم التصميم بواسطة: سراج حياني